انتظرتُ صارَ الإنتظارُ أزرقَ، وسالَ جدولاً على حرير المسافةِ، تلوّى مثلَ طريقٍ في جبالِ الضجرِ وصبّ في عُنُقِ الجغرافيا، ومطلقاً لم يكن بحراً هناك. انتظرتُ تسلّلَت النارُ من أجساد المنتظرينَ لتخلقَ أوثاناً من قلقْ، ليمُرَّ أنبياءٌ ولصوصٌ ومحاربون وصائدو ثروةٍ وقوافلٌ وعشّاقٌ ومزاميرٌ وأساطيرٌ وطقوسٌ وحكايا، لأخجلَ من طابورٍ معلّقٍ في اللاشيءِ يخرّبُ سطحَ الرملِ المرتّبِ دونَ غايةٍ وينامُ في مكانِهِ منذ الأزلْ. انتظرتُ إنكمشَ الإنتظارُ، تمدَّدَ الإنتظارُ، تسلّقَ الفضاءَ كولدٍ شقيٍّ يطاردُ أعشاشَ الدُّورياتِ التي أقْلَقَتها المواسمُ، إنتظاري وحده انقسمَ إلى عالمين وراح يسبحُ في اللامرئيِّ ويعدو في ظلالِ الكلمات، يكبرُ مثلَ موجةٍ ويتضاءلُ مثل هلالٍ في آخر الشهر القمري، يلعق يديه ويقلِبُ داخلَهُ خارجَه، يتحوّلُ إلى مفردةٍ ثمّ إلى أغنيةٍ ويذوب في ماءِ الشربِ، يتفرّقُ في الطابورِ كأحدِ المنتظرينَ ليربكَ قدرتي على التأمُّلِ، ينضجُ ولا يسقط عن شجرتهِ إلى الأبد. انتظرتُ في هوامشِ النارِ وخوخةِ الأمنيات التي زَرَعتها يدٌ لا أفهمُ أصابعَها لأكتبَ بها أو إليها، حذّرَني الرَّملُ من خطوتي، من غيابٍ كأنّهٌ غابةٌ من الحضورِ لا تُعَاتَبُ، قدَّمتُ قلباً من تعبٍ لعينين من شهوةٍ ودعاءٍ ليليٍّ حزين. انتظرتُ أجَّرَني القلبُ إلى حكايةٍ فَجْرُها فولاذُها ونايُها لا صمتَ يحرُسُهُ من غولٍ على الشبّاكْ. انتظرتُ مغموساً بتعب الغاباتِ الضائعةِ في المدنِ، نبَتَتْ في المدى خيولُ جسدِكِ المقسّمِ بين المدن، نموراً وعصافيرَ وفراشاتٍ وأغانٍ، لم أحلم بامرأةٍ تختصرُ العالمَ، حين جئتِ ساخرةً من عجزِ الأحلامِ وانكسار الفكرةِ على حدٍ شبيهٍ بكأسِ شاي. انتظرتُ دعوتُكِ لئلا تصدّقي انتحارَ الموجِ على الرملِ حينَ تفاجئُكِ ذكرياتُ الوصايا نفسُها التي تخيطها أمٌّ مع ثوبِ عرسِ ابنتِها، لئلا تصدّقي عاشقاً أوقفَ جمالُكِ قلبَهُ للحظةٍ على الغيمْ، ولا تصدقي مرآتَكِ حينَ تبتسمُ في الصباحِ الطالعِ من كآبةِ الظلِّ، لا تصدقي شيئاً، لا تصدقي أحداً، ولا تلصقي أوهامكِ على شجرةِ العشاقِ كي لا تفتحي لقلبِكِ نافذةً بلا مشهدٍ أو فارسٍ أو قمرٍ في آخر السماء.
انتظرتُ كي أعرفَ ما أنتظرْ |