على طرفِ الجنازةِ المشغولةِ كإسوارةٍ ملكيّةٍ من دقة التفاصيلِ، حَمَلَةُ الوردِ يتقدّمونَ التابوتَ، ألفُ فارسٍ إلى اليسارِ، ألف خيّالٍ إلى اليمينِ، وفي الخلفِ صفوفٌ مخمليّةٌ من ملوكٍ وشعراءَ يتبعُهمْ حملةُ النواقيسِ الحزينةِ والكُتُبِ المقدّسةِ ومنشدونَ بأصواتٍ لا تُضاهى، تمنّيتُ نصفَ مشهدٍ مشابهٍ شرطَ ألا أراهُ من داخلِ التابوتِ كما الآن. حلمتُ بروحٍ تراقبُ الخيلَ في دمي، بورداتٍ على وسادةِ الكلامِ كلَّ صباحٍ تهديها امرأةُ تعرفُ مزاجَ الشمسِ ومكرَ السحابِ القديمْ، لا أعداء في الهوّةِ بيننا، ولا أصدقاء كذلك، الحلمُ يغادرُ وحدهُ، يمشي في طرقات المدنِ باحثاً عن رأسٍ لا يفكِّرُ كديانةٍ وحدَهُ، يتعثّرُ بفيلسوفٍ ساذجٍ يخبئ الريحَ في جملٍ طويلةٍ تُربِكُ المعنى، ويختبئ هناكَ ألف قرنٍ من الوقتِ المشرّبِ بالحروبِ وقصصِ العشقِ الذاهبةِ في التفاصيل الخرافيّةِ والنُّبلِ العقيمِ للرواةِ الذين يخلّصونَ أبطالَهم من بشريّتِهم وضعفِهم. تضيعُ الناياتُ في زخمِ الريحِ، تمدُّ يداً إلى الفراغِ ولا أحد ينتمي للفراغاتِ مثلكَ، وحيداً دونَ قمةٍ أو قاعٍ، الشرودُ يخبزُ الفكرةَ على مهلٍ متمهِّلٍ، تظنُّ قلبكَ خلف الجدارِ لا يُمَسُّ، لكنَّكَ ـ ككلِّ الراغبين بالحياةِ ـ تنكسرُ أمام نفسِكَ كي تعلنَ البدايةَ وتكتشفَ حظّكَ من جديد، ولا أحدَ يمسكُ بالنارِ إذ لا نارَ أو أمنيات، عماءٌ يخضُّ السديمَ والقادمُ لا شيء، والذاهبُ لا شيء. تسقطُ غيمةٌ بكاملِها حين تهدأُ الريحُ، وفي عبورها العبقريّ تلجأ الأفكارُ إلى جدولٍ محتملٍ كي توزِّعَ البرقَ مثلَ تميمةٍ على اليباسٍ الواضحٍ للأرواحِ والأشجارِ في بلادٍ لا تفهمُ ساكنيها، الفيضانُ فكرةٌ طريفةٌ حينَ يُشارُ إليهِ كمَخرجٍ وحيدٍ لوردةٍ لم يَعُدْ لعبيرِها المعنى الذي في القصائدِ. الخاتمة من مشهدين متوازيين: وردةٌ تنتحرُ شاعرٌ يبحثُ عن لغة. |