khaled Juma
سجل الزوار   راسلني   الصفحة الرئيسية
   
 
 
  قصائد
  قصص
  مسرح
  translation
  أبحاث ودراسات
  أعمال آخرين
  مواقع أدبية
  متفرقات
  صور
   
 
قراءة في كتاب
اشكالية الهويه فى اسرائيل

د. عبد الله رشاد الشامي

مشكلة الهوية هى من المشاكل التى تسبب ازعاجا لليهود منذ أكثر من قرنين من الزمان. لقد عاش اليهود فى أرجاء الشتات اليهودى ،وخاصة فى كل من غرب وشرق أوروبا ووسطها فى إطار منعزل عن المجتمعات التى يعيشون فيها فى أحياء خاصة بهم عرفت باسم "الشتتل" (المدينة الصغيرة) أو "تحوم هموشاف"(تخوم الاستيطان اليهودى) فى شرق أوروبا و باسم " الجيتو" فى غرب أوروبا و وسطها . وقد عمق هذا النمط من الحياة الاحساس لدى اليهودى بأن هذا الانعزال هو درع الأمان للحفاظ على الطائفة اليهودية وشريعتها .وكانت هذه الاقامة المنعزلة هى الشرنقة التى تحافظ على حياته الروحية ،إلى أن يحين الوقت الذى يشاء فيه الرب إعادته إلى ما يسمى "أرض الميعاد" مع حلول الخلاص المسيحانى.

وقد واجهت إسرائيل إشكالية واضحة بالنسبة لهوية الدولة ، وقد شهدت إسرائيل توترات وصراعات لعبت دورا فى خلق هذه الاشكالية ،بسبب التنوع الثقافى والعرقى لسكان الدولة ،وازدياد المد الدينى بعد حرب 1967 وزيادة حدة الاستقطاب بين الدينيين والعلمانيين ،والتغير المستمر فى الثقافة السياسية المهيمنة ،والتحالفات السياسية ،والانقسام بين القوى السياسية حول مصير الأرض المحتلة بعد عام 1967 ، ووجود أقلية عربية فلسطينية داخل دولة إسرائيل ،والموقف من الشتات اليهودى ،وأخيرا أحداث النازية والصراع العربى -الإسرائيلى.

وقد تنوعت الأطروحات بشأن تحديد الهوية فى إسرائيل بين أربع أطروحات.

أولها الطرح الكنعانى للهوية فى إسرائيل

وتتلخص أفكار هذا الطرح فيما يلى :- الإيمان بأنه قد ولد على أرض فلسطين واقع إسرائيلى جديد لا علاقة له بالواقع اليهودى الشتاتى و لابد من التعبير عن هذا الواقع الإسرائيلى الجديد بأدوات جديدة .و إنطلاقا من هذا المنظور السابق فقد شن أنصار هذا الطرح هجوما نقديا على يهودية الشتات وعلى دين إسرائيل ،ومؤسساته وقيمه ،وعلى نهج التاريخ اليهودى برمته ..ومحاولة إحياء الأسطورة الكنعانية فى المنطقة الممتدة من البحر المتوسط غربا إلى نهر الفرات شرقا ومن حدود تركيا شمالا وحتى الحدود المصرية جنوبا فى المنطقة المعروفة باسم الهلال الخصيب ..ونفى أن للدولة العبرية أى علاقة باليهود فى شتاتهم ،باستثناء أن القادمين من الشتات اليهودى هم الذين سيشكلون نواة الأمة العبرية .ويمكن حصر الركائز السياسية و الأيديولوجية لحركة الكنعانيين أن أساس الدولة هو الأمة و لا تختلف الكنعانية من هذه الناحية عن الصهيونية التى ترى أن إسرائيل هى التعبير السياسى للشعب اليهودى كما ترى الكنعانية أن حجم وقوة الدولة يجب أن يكونا كافيين للقيام بنشاط ذى صفة استقلالية ،وللحفاظ على استقلال المنطقة حقا ، ينبغى أن تكون الخطوات السياسية نابعة من احتياجات المنطقة ذاتها وليس وفقا للاعتبارات التى تفرض من خارج المنطقة.

وفى الحقيقة أن تجاهل أنصار هذا الطرح لحقيقة أن المستوطنيين ليس لديهم نية الضغط من أجل الضم الرسمى للضفة الغربية وقطاع غزة لإسرائيل لأن مثل هذا الضم سيخلق وضعا يكون من الصعب فيه التهرب من منح السكان الفلسطينيين حقوقهم ،ومن ثم أصبح هدفهم الرئيسى هو طرد هؤلاء الفلسطينيين إلى أى مكان آخر.كما أن احتفاظ إسرائيل بالمناطق المحتلة والتوسع الاستيطانى فيها .هو أمر من المعروف أنه ليس ممكنا دون تأييد الولايات المتحدة بضغط من اليهود فيها ،أى أن تنفيذ المشروع الكنعانى يتطلب تأييدا من عنصر من خارج المنطقة ،وهم يهود الشتات فى أمريكا الذين يعاديهم الكنعانيون ،وهو تأييد يمنح فى ظل الأيديولوجية الصهيونية ، وإلا لما تمكنت إسرائيل من الاحتفاظ بفريستها طول هذا الوقت . وقد أسدل الستار على الحركة الكنعانية وعلى الطرح الذى تبنته للهوية فى إسرائيل ،وتشرذم اتباعها أما من تبقى منهم على قيد الحياة ،فمن بين تائب عن أفكار الحركة، و بين مؤيد ومساند لحركة "جوش أيمونيم " (كتلة الإيمان) لعلهم يحققون من خلالها ما فشلوا هم فى تحقيقه ،ولو حتى على حساب مبادئهم التى آمنوا بها من قبل .

ثانيا :ـ الطرح العبرى أو الصبارى :ـ

يبدأ هذا الطرح برفض التاريخ اليهودى كله ،وخاصة تاريخ اليهود فى الشتات،كما كان هناك رفض للشخصية اليهودية الشتاتية التقليدية برمتها ،وارتبطت الدعوة باقامة وطن لليهود فى فلسطين ،وبضرورة خلق نمط يهودى جديد على أرض فلسطين فى واقع إقليمى جديد.ومن هنا ظهرت إلى الوجود شخصية العبرى المتحرر ( التأكيد هنا على كلمة عبرى وليس على كلمة يهودى وذلك للتفرقة بين الحاضر اليهودى الشتاتى المرفوض وبين المستقبل العبرى المأمول الذى يعنى العودة إلى صورة العبرى القديم ، وفق المعيار الخاص بأساطير "التجدد" والتى هى بمنزلة تأكيد لعودته إلى " العصر الذهبى " السابق . والموقف الصبارى يتعارض مع الموقف الصهيونى ، حيث أن الصهيونية سعت لتحقيق الشق الأول وهو الانفصال عن واقع الشتات سعيا نحو بناء واقع عبرى جديد فى فلسطين ،ولكنها فى نفس الوقت حافظت على الروابط مع الشتات اليهودى كوسيلة لدفع مشروعها إلى الأمام ، وتكونت لديها مصلحة خاصة فى تخليد "ضائقة اليهود فى الشتات " والتى ربطت بينها وبين "معـاداة السامية " فى " هوية المصالح الخاصة " . ومن هنا تجدر الإشارة إلى أن مشروع الهوية الصبارية قد استوعب بعضا من أفكار الهوية الكنعانية ، ولكن مع هذا فإن هناك فارقا جوهريا بين مشروع الهوية الكنعانية ومشروع الهوية الصبارية ،يتجلى فى الغايةالنهائية لكل من الهويتين ، فالأولى كانت تسعى إلى إقامة كيان عبرى جديد يضم يهود فلسطين مع سائر الشعوب العربية التى تعيش فى منطقة الهلال الخصيب ، أما الثانية فقد تحدثت عن قومية قائمة بذاتها خاصة بمواليد فلسطين من اليهود .

وقد كانت الوقائع والحقائق التى حدثت على الأرض فى إسرائيل والتى كانت بمنزلة عوامل فاعلة ساعدت على ضمور الطموح الثقافى والاجتماعى الذى تبنته الهوية الصبارية ويمكن تحديدها فى موجات الهجرة اليهودية الكبيرة من اليهود الناجيين من أحداث النازية ومن البلدان العربية والإسلامية مما أدى لتراجع الثقافة العبرية الحديثة التى ولدت على أرض فلسطين ،وانجاب المهاجرون أجيالا من الصباريم ،و اتضاح أن الصبار الأسطورى شخصية اصطناعية و أن صفاته لم تكن دوما إيجابية ، و أن الآمال التى علقت عليه مع صعوده إلى مواقع القيادة كانت كاذبة. وتمت إزالة مصطلح عبرى الذى كان متعارفا عليه فى فترة الاستيطان الصهيونى قبل الدولة للتفرقة بين اليهودى الذى يعيش فى الشتات واليهودى الجديد إبن البلاد ،كما تبنت الدولة المفاهيم الدينية عقب انتصار 1967، مما كشف عن أن الكثيريين من العلمانيين فى إسرائيل احتفظوا بأنماط تفكير أسطورية ودينية غيبية تحت غلاف رقيق من العقلانية العلمانية ،وأخيرا حدوث تحول حاد وجذرى تجاه الشتات اليهودى.فقد سقطت ركيزة أساسية من ركائز الطرح الصبارى للهوية فى إسرائيل وهى رفض الشتات.و إذا كانت الصبارية قد كادت تتلاشى كأيديولوجية وبالذات كهوية فأن الصفة "الصبار" مازالت قائمة وتطلق فى المجتمع الإسرائيلى على كل من يولد فى إسرائيل تمييزا له عن المهاجرين الجدد.

ثالثا :ـ الطرح الإسرائيلى للهوية فى إسرائيل:ـ

يختلف الطرح الإسرائيلى للهوية على الطرحين السابقين فى طبيعته ،لأنه يرتكز على واقع الحياة فى دولة إسرائيل،وليس على تصورات لخلق صورة عبرية سياسية إقليمية إستنادا للتراث الثقافى السامى ( الطرح الكنعانى ) و لا كذلك على نبوءة خلق شعب جديد من الشعبة العبرية لليهود( الطرح الصبارى ) ولا على الربط بين الشعب والدين ( الطرح الصهيونى).فهذا الطرح يستند إلى ما ورد فى وثيقة الاستقلال وعلى القوانين التى استنها البرلمان الإسرائيلى (الكنيست) بشأن الارتباط والتواصل بين يهود إسرائيل ويهود العالم، و أهم هذه القوانين هو بلا شك " قانون العودة " الذى يمنح حق الهجرة والمواطنة لكل يهودى يريد أن يهاجر إلى دولة إسرائيل ،ومن هنا فأن علمانية الهوية الإسرائيلية هى علمانية معتدلة و محددة على رضا واتفاق ،وتعبر إتفاقية الوضع الراهن السياسية فى مجال الدين وعن التسوية بين الدينيين والعلمانيين ،و التى ترتكز عليها تقريبا الهوية الإسرائيلية.


     
عدد التعليقات 0