فائضةٌ عن المعنى، فَرَسٌ من مداراتِ الغيمِ، تربِّتُ بيدٍ من شَجَرٍ على رأسٍ من معاركَ لا تنتهيْ، تبدِّلُ اسمَها لتأخذَ الحياةَ إلى آخرِ أشكالِها، تنامُ مُتْعَبةً ومُتْعِبةً كحفلٍ موسيقيٍّ طويلْ.
على هامشِ الحربِ، ركَّبَتْ حرِّيَّتَها من بقايا مدينةٍ نَسِيَتْ مذاقَ الدّمعِ حينَ أنهَكَها الأملُ الذيْ لا يغادِرُ، زَرَعَتْ وروداً على النوافذِ حينَ اختنقَ الحقلُ بالدُّخان، زوَّقَتْ جِلْدَها بالشمس عندما أكلَ الفضاءُ ألوانَهُ، تساقطَ القتلى مثلَ شموسٍ صغيرةٍ في بحارٍ شاسعةٍ لكنّ أُنوثَتَها نَمَتْ في تربةِ الوقتِ المخدَّرِ بالغاراتِ والإذاعاتِ والهتافاتِ، وظلَّ عاشقٌ عنيدٌ في انتظارِها يكشُطُ اليأسَ عن جلدِهِ بنصلِ الأغاني.
عيناها كمنجتُها، يداها صفيرُ الريحِ في الرُّوحِ، بكاؤها نايُها، وانتباهةُ نومِها غابتُها، وحينَ تقومُ من يأسِها القصيرِ كبرقٍ لا يُضاهى، تنتبهُ الجبالُ إلى رملِها كملاذٍ من الفناءِ، وتحبُّ البلابلُ أصواتَها من جديدٍ كأنها خُلِقَتْ للتوِّ، وتنثرُ الطبيعةُ حيرَتها: هل أعلِّمُ العصافيرَ الغناءَ قبلَ الطيرانْ؟
انحدَرَتْ كنقطةِ مطرٍ بطيئةٍ إلى البحرِ لا إلى النهر، أغراها الشتاءُ فانْتَقَتْهُ مرآةً لانتصارِها، انكسرَ ظلُّها مختلطاً بغيابِ الشمسِ وحضورِ الغيمِ كواجهةٍ متحَفِيّةٍ تغيِّرُ الرسمَ كلَّ ثانيتين، اصطادَها الصيفُ في لحظةِ حُلمٍ وجفَّفَ نومَهَا من العصافيرِ والأشجار.
وهي تغسلُ شعرَ أمنياتِها على شاشةٍ من فضةٍ وانتظار، صارَ الهواءُ حولَها مسبحةً من شفقْ، تقمّصًت تناقضاتِها كلَّها وهي تبتلعُ صوتَها مع كأسِ ماء، كانت خادمةً وسيِّدة، ناراً ومطراً، خواءً وامتلاءً، قبولاً ورفضاً، حرباً وسِلماً، ارتجفتْ، كغزالةٍ جريحةٍ في حقلِ شوكْ... فيما المدى أطرشُ لا يعنيهِ صراخُ جلدِها.
23 كانون ثاني 2010 |